بقلم سماح خليفة
مؤامرات ومخططات يشهدها التاريخ على مر العصور لِوأد قضية الفلسطيني، وتجريده من شرعية وجوده فوق أرضه وفي أحضان وطنه، كأيّ مواطن بسيط يحلم بالسلام والاستقرار، وبابتسامة تزين شفاه أفراد عائلته دون الخوف من “طلعة بدون رجعة” أو رصاصة غادرة من عدو ظالم على مفترق إحدى الطرق بحجة “طعن جندي”، أو اقتحام مفاجئ لبلدة وادعة تتشبث ببقايا حياة، بحجة بحث الصهاينة المخربين عن “مخربين”!، أو حتى الخوف من فيروس (كوفيد19) عابر للحدود أن يتسلل إلى أنفاسه، فيكتمها وينهش ما تبقى من حياة تنتظر لحظة عناق لقلب طفلة لا يدفئها سوى ضمة حانية بين ذراعي والدها.
هل صرخت أشلاء غسان كنفاني عندما فرقها حقد العدو، الذي ظنّ أنه اغتال قلم التاريخ الشاهد على جرائمه الخبيثة؟ هل صرخت لتطلب من يد العدو الغادر أن تمنحها برهة من الزمن لا لتدون لحظة التاريخ الدامية وليدة اللحظة، بل لتعيد لميس الطفلة البريئة إلى ألعابها، وحضن أمها المشرع على لقاء فلذة كبدها.
وهل يسمع العالم صرخات شهدائنا من رحم أرضهم؟! هل يشهد جرحَ الوطن النازف عقودا من الزمن؟!
مؤامرات خبيثة حيكت منذ أول نداء لنابليون وجّهه إلى يهود العالم لإقامة وطن لهم في فلسطين، مرورا بوعد بلفور، إلى نكبة 1948، ونكسة 1967، حتى أوسلو، انتهاءً بـ”صفقة القرن”…محطات عديدة شهدت انتهاكات جسيمة بحق الفلسطيني على أرضه وفي وطنه.
ومؤامرات مستحدثة تنهال على فلسطيننا من كل حدب وصوب، من أجل أن تسوّغ تقبّل العربي للصهيوني المغتصِب، وتعايش الفلسطيني مع جلاده بصمت هادئ مستكين، لا أصوات احتجاج ولا حتى همهمات تقض مضجع الجلاد، لأن ضربة سوطه ستكون قاسية جدا.
تُطل علينا بعض الأعمال الدرامية التلفازية مثل “أم هارون” و”مخرج7″ في ظرف حساس جدا لتبدي تعاطفها مع اليهود الأقلية في الخليج وتربطهم بالصهيونية السياسية بصورة مغايرة للواقع في تلك الفترة، وكذلك بصورة مستفزة للضحية الفلسطيني الذي اغتُصبت أرضه ووطنه من قبل هذا اليهودي الصهيوني، ومحاولة شيطنة الضحية وتجميل الجلاد، بينما يتم تناول قضية التطبيع معه. وكأن العربي يخلع جلده العربي ويرتدي جلد اليهودي الصهيوني، بل أنّه فعل، وشتان بين عربي وعربي، مع التقدير لإخواننا العرب الأصيلين في شتى بقاع الأرض.
لا يكتفي البعض بهذه الهجمة الشرسة، ورغم ردود الفعل المتضاربة، يخرج بعض المثقفين والإعلاميين والكتاب، ليسوِّغوا لنا هذه المسلسلات بقولهم ” كل من اتهم مسلسل “أم هارون” بالتطبيع كان متسرعاً”، ويظهر مثقف شاعر آخر ليملي عليه مزاجه في هذه المرحلة العصيبة تحديدا أن يشطب تاريخه، وكأنّ ضميره التاريخي يستيقظ الآن بعد كل هذا السبات، فيقول: ” علّمونا بالمدرسة أنو طارق بن زياد بطل عظيم فتح الأندلس… ما علّمونا أن والي المغرب موسى بن نصير حبس طارق لأنه حرامي وناهب أموال الدولة…وأنو الخليفة سليمان بن عبد الملك استدعى موسى بن نصير وحبسه لأنه كمان حرامي وناهب أموال الدولة… وبالتبعية استدعى طارق وحبسه…بالحقيقة كان الخلاف بين طارق وموسى على اقتسام غنائم كنيس يهودي، وخصوصاً كان فيه طاولة ذهبية مرصّعة بالماس يُقال إنها تعود للملك داوود……”
ما الذي يحاول فعله أمثال هؤلاء المثقفين وفي هذه الفترة تحديدا؟!!
أليس حريّا بالفلسطيني المثقف أن يلتفت إلى الخطر الذي يسحب أرضه من تحت قدميه، أين هم من صفقة القرن التي شُرع بتنفيذها على غفلة من الشعب ولا غفلة من الحكام؟ كم مثقف قرأها وكتب عنها أو حللها أو ناقشها بصوت مرتفع يسمعه كل إنسان في العالم؟
قضيتنا أثقلت ذاكرتنا وأنهكت صبرنا، ومناهج أبنائنا في طريقها إلى التشويه والتحريف بحجة “التطوير”!!
هذا “التطوير” الذي طفا على السطح في هذه الآونة هو أحد بنود صفقة القرن، لا قدس عاصمة فلسطين، لا كلمة تجرح مشاعر هذا “الصهيوني” المجرم، لا تجاوزات بحق الجلاد الذي بيده لقمة عيشنا، ويعدُّ أنفاسنا، وشربة مائنا!!
أقلامنا بوتقة أصواتنا إلى العالم، اكتب أيها المثقف الفلسطيني، أيها المثقف العربي، وأسمعوا صوت قضيتكم للعالم كله.
الكلمة سلاح المثقف في الوقت الذي جرّد فيه الفلسطيني من كل حقوقه… الكلمة مقاومة، الكلمة حق…