بقلم جومانة محمود الصالح
في مخيم جرمانا الفلسطيني في مدينة دمشق الياسمين في الجمهورية العربية السورية، يعيش الحاج أبو الرائد مع أسرته في منزل لا يختلف تصميمه الخارجي عن بقية المنازل، لكنه يبدو مختلفاً من الداخل بما يحتويه من مقتنيات تراثية ذات ملامح فلسطينية بإمتياز، وأدوات من الماضي يقدر عمرها بعقود طويلة.
دخلتُ إلى منزله عبر ممر طويل يضع في جنباته مقتنيات قديمة وأدوات تتعلق بالزراعة وإعداد الطعام (كالغربال وحجر الرحى “المطحنة” ومناسف الطعام والسلال التي أصبح وجودها نادراً في أيامنا هذه، ومما أثار انتباهي ودهشتي ميزان معلق في سقف الممر؛ في إحدى كفتيه مجسم لخريطة فلسطين، وفي الكفة الأخرى مجسم للكرة الأرضية كرمزية لمدى حبه لفلسطين العروبة.
أما قاعة الإستقبال فكانت ذات ديكورات تراثية توزعت في أركانها مقتنيات تاريخية وتراثية جمعها بدافع حبه للماضي وعشقه لتراث وطنه. يعدً بيت الحاج أبو الرائد حالة تراثية فريدة من نوعها استطاع عبر سنين طويلة جمع مقتنيات تراثية قديمة وعرضها في منزله من خلال أدوات موروثة من الآباء والأجداد وبعض الأدوات والتحف التي يحاول جمعها من الناس أو شرائها من الأسواق القديمة ويدفع مقابلها نقد باهظ الثمن في سبيل الحصول عليها…..
ولاتزال هذه الأدوات يستخدمها في تقديم الضيافة وسواها من الممارسات اليومية، وقد جند أسرته لخدمة مشروعه الوطني التراثي.
ففي زوايا المنزل مقتنيات تراثية قديمة تفوح بعبق الماضي وتمنحك شعور بوقوف عجلة الزمن لترى بعينيك وتشعر بروحك تمازج الماضي بالحاضر والأصالة بالحداثة، فقد أصبح منزله مزاراً لطلبة المدارس وروضات الأطفال الذين يقصدونه للتعرف على الماضي الجميل حيث يشعر الأطفال بسعادة لا توصف محاولاً ترك بصمة في عقول هؤلاء البراعم الغضة من خلال تعريفهم بتراث أجدادهم.
يستقبل الحاج أبو الرائد زواره من مهتمين وباحثين في التراث بزيه الفلسطيني المعتاد، وإبتسامته الطيبة، وخلال لقائنا به بدأ يحدثنا عن تاريخ فلسطين وعادات شعبها الأصيل، والتلاحم الذين كان سائداً بين الأهل والأقارب، وعن جمال الحياة اليومية والأدوات المستخدمة آنذاك حيث بات أرشيفاً بشرياً ذو علم ومعرفة بتاريخ وطريقة استخدام الأدوات القديمة، يتحدث ودموعه تكاد لا تجف كلما ذكر اسم فلسطين، وهي ذات الدموع التي ستذرف فرحاً عند عودته إلى وطنه يوماً ما.
يقول الحاج: “حافظت على تراث بلدي وعرفت الأجيال الجديدة به، وأبقيت على صلة الوصل بين الماضي والحاضر، وأهتم بتراث وطني خوفاً عليه من الإندثار في ظل ظروف معقدة تمر به قضيتنا الوطنية والقومية وأبلغ شيء أقوم به أن أُعرف أجيالنا القادمة بهذا الإرث العظيم، وهذا مجهود شخصي ومن مالي الخاص، عسى أن أقدم شيء لأبناء بلدي في الشتات كوننا نشعر أننا صغار أمام مايقدمه أهلنا في الوطن المحتل من تضحيات بالنفس والولد في سبيل دحر المحتل الغاشم”.
إصراره على مواصلة نهج حياته التراثي، وإبقاء بيته ركناً من أركان الماضي، ورمزاً من رموز النضال الوطني الفلسطيني في سبيل مكافحة العدو الصهيوني ومايقوم به من سرقة للتاريخ والتراث؛ يجعلني أفتخر بصلابة شعبي وأستهزأ بمقولة بن غوريون الذي صرح بأن : “الكبار يموتون….والصغار ينسون” وأنا أقول له بأن الصغار لن ولم ينسوا تراثهم الذي يعدّ جزء لا يتجزأ من تاريخ وطنهم، ولا يمكن للتراث أن يبهت بريقه طالما أنه جزء من هوية الشعب والأرض.
يختم الحاج اللقاء بقوله: ” نحن نعاهد بالحفاظ على هذا الإرث الثمين وتوريثه للأجيال القادمة، ومقاومة العدو بكافة أشكاله حتى تحرير فلسطين من رأس الناقورة حتى أم الرشراش”.
طالما أن هنالك مناضلين أشداء ومجاهدين وطنيين بالسلاح والقلم والثبات والإصرار فلا خوف على قضيتنا.
فلسطين لك كل المحبة?