الأســــتـاذة: جـومـانــا الصـالـح
ـ نابلس بفتح النون وضم الباء، أسسها الكنعانيون في الألفية الثالثة قبل الميلاد وكانت تسمى (شكيم)، وبعد استقرار الرومان فيها بعد الميلاد هدموا المدينة وبنى الإمبراطور الروماني “قسبازيان” المدينة الحالية وأسماها نيابوليس: أي المدينة الجديدة.
تقع في شمال الضفة الغربية المحتلة في فلسطين، وتضم 56 قرية، وتعتبر قلب فلسطين تربط شمالها بجنوبها، وغربها بشرقها، وهي من أكبر المدن الفلسطينية سكاناً وأغنى المدن ثقافياً وتراثياً، وعاصمة فلسطين الاقتصادية، وتعرف بعدّة أسماء منها: جبل النار ـ ملكة فلسطين غير المتوجة ـ عش العلماء لكونها مركزاً علمياً وأدبياً وكثرة العلماء والأدباء فيها مدى العصور، ومن أبرز أعلام الفكر والأدب: الشاعر الكبير إبراهيم طوقان وشقيقته فدوى طوقان، وعلي الخليلي، ومن أدبائها: عادل زعيتر، ثريا ملحس، ومحمد عزة دروزة.
وتلقب أيضاً بدمشق الصغرى، فهي مدينة ذات طابع دمشقي تأخذ كل تفاصيل دمشق بما تحمله الكلمة من معنى من خلال المباني ذات الطراز العثماني والأزقة الضيقة المتعرجة والشوارع المرصوفة والأسواق الشعبية التي تنبض بالحركة، فحارات الشام حاضرة في مدينة نابلس لاسيما حارة الياسمينة التي تشابه دمشق بأبنيتها و أزقتها ودكاكينها القديمة ونمط العمارة، والياسمين المنتشر في الأزقة والشوارع والبيوت.
تتشابه نابلس مع دمشق بمناخها ومياهها وفاكهتها وخضارها وحتى في لهجتها، تاريخياً كانت نابلس محطة تجارية على طرق القوافل العابرة من بلاد الشام إلى البحر الأحمر، وكان قطار الحجاز ينطلق من نابلس إلى أراضي الحجاز محمل ببضائع المدينة على طول الطريق، و كان تجار نابلس يصدرون الصابون والمنتجات المحلية الأخرى إلى دمشق ويعودون بالأقمشة والتوابل والفاكهة الشامية من غوطة دمشق قبل الاحتلال الإسرائيلي، ونتيجة الاحتكاك التجاري والاجتماعي أدى إلى ارتباط أسري واندماج بين العائلات الدمشقية والنابلسية لذا سادت اللهجة الشامية في نابلس التي تختلف عن لهجة بقية المناطق الفلسطينية وهي لهجة عربية من طائفة اللهجات الشامية، ويتحدث أهالي نابلس عن أصولهم الشامية الدمشقية ويفتخرون بها فهم دمشقيون الأصل، ومدينتهم أكثر المدن الفلسطينية شبهاً وارتباطاً بدمشق منذ فجر التاريخ.
هناك عائلات نابلسية من أصول سورية كعائلة النمر التي قدمت من حمص وحماه، وعائلة طوقان التي قدمت من حماه، وأيضاً نجد عائلات سورية ذات أصول فلسطينية كعائلة النابلسي في مخيم اليرموك التي تحمل الهوية الفلسطينية حتى الآن، وحدة عائلية جسدتها الوحدة الجغرافية وصلات القربى بين دمشق ونابلس لكن قطعتها الأوصال السياسية.
دمشق الصغرى بجغرافيتها وبيوتها وأسواقها وأقواسها مدينة متفاخرة بتاريخها وحضارتها، مدينة مرصوفة بالحجارة مثل دمشق القديمة، نظيفة، بناؤها من الحجارة، زارها ابن بطوطة فوصفها: “بأنها مدينة عظيمة كثيرة الأشجار والماء، ومن أكثر بلاد الشام زيتوناً”
مدينة نابلس ذات عراقة وعمق حضاري يمتد إلى قرون قبل الميلاد ليشمل الحضارات الكنعانية والرومانية والإسلامية وصولاً للحكم العثماني، وتبدو الحمامات العثمانية شاهداً على دمشقية نابلس.
فوق قبابها ومآذنها العتيقة وبجوار أضرحتها ومقاماتها الشامخة ومداخل خاناتها يشتم المرء رائحة الماضي الأصيل ويشعر بالحنين إلى دمشق الفيحاء
ـ العمارة: تظهر الآثار الرومانية على أطراف المدينة القديمة منها: معبد جوبيتير، والمدرج الروماني، لكن معظم المباني والمعالم التاريخية تعرضت لأضرار كبيرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي حيث دمر 149 معلماً، أقرّت منظمة العلوم والتربية “اليونيسكو” أن نابلس مثال متميز لعمارة المدن الفلسطينية.
وتظهر أيضاً الآثار العثمانية القديمة بمساجدها وقبابها ومسلاتها الممشوقة وحماماتها المتشابهة مع مدينة دمشق، والحارات الفلسطينية ذات فن دمشقي تتشابه مع حارات دمشق القديمة بحجارتها وزخرفتها، و تتشابه محال البزورية والعطارة، والبيوت العربية المتميزة بانفتاح مرافقها على بعضها وإطلال البيت على فضاء واحد والتشكيلات الفنية والزخرفة الجمالية متقاربة من حارات الشام بما فيها البحرة والإيوان وأرضية البيت الملونة والمقرنصات.
• خان التجار: أو يسمى بسوق العتم، يشبه سوق الحميدية في دمشق مغلق من الجهتين وسقفه لا يعطي إضاءة لازمة للمتسوقين يضم 70 محل تجاري، ويسمى أيضاً بالسوق المسقوفة لأنها مسقوفة على طول 200 متر ولها بوابتان شرقية وغربية، وصنعت مفاتيح السوق في دمشق عندما شيده الوزير التركي لالا مصطفى باشا في القرن السادس عشر الميلادي، واعتبر أفخر الأسواق للأقمشة في فلسطين حيث كانت الأقمشة تجلب من دمشق كالأغباني والبروكار والدامسكو قبل أن يتحول إلى سوق عام يحوي صناعات حديثة وبعض الصناعات التراثية ولا يخلو من السياح، وهو الأقدم والأشهر في نابلس، يحافظ حتى الآن على طرازه المعماري العثماني بأقواسه وأشكال محلاته التجارية.
ـ الصناعات التراثية: لأهل نابلس أعمالهم وحرفهم المتوارثة عن آبائهم وأجدادهم التي يزيد عمرها عن مئات السنين، يذكر د. إحسان النمر في كتابه تاريخ جبل نابلس:” مأكولات نابلس مثل المحاشي والمفتول والثريد، ومن الحلويات البقلاوة والنابلسية، والمشروبات المشابهة لمشروبات دمشق مثل عرق السوس وشراب التوت والليمون مع العسل والخروب”، وأيضاً هناك كالكعك الشامي والتمرية وحلى القرعية وطحينة السمسم، وانتقلت معظم الصناعات والحرف القديمة من دمشق إلى نابلس وبالعكس منها:
• بوظة الدق الشامي: تعلمها سكان نابلس من أشهر محلات البوطة في دمشق المعروف بـ “بكداش” وانتقلت إلى نابلس بطعمها وحتى في آلة صنعها، البوظة الشامية التي تختلف عن البوظة العربية، فسرها في طريقة إعدادها التقليدية من خلال الدق التي أصبحت مصدر جذب للسياح، ومن محلاتها: ملك البوظة لآل ياسين.
• الكنافة النابلسية: المعروفة في العواصم العربية نسبةً إلى مسقط رأسها نابلس في فلسطين، والتي تعتبر من أشهر الحلويات الشرقية في بلاد الشام، حيث انتقلت من نابلس إلى دمشق، وكانت نابلس قد دخلت بسجل غينيس بأكبر صدر كنافة عام 2009م.
ـ اللباس: اتسم المجتمع النابلسي بالاحتشام في اللباس الذي كان مستمداً من الشريعة الإسلامية، ويتشابهون مع الدمشقيون بالزي القديم، حيث يعتمر الرجال الطرابيش ويرتدون القمباز والشروال، أما النساء ارتدت الملاية وهي عبارة عن ثلاثة قطع سوداء اللون لتغطية الرأس والأخرى لتغطية الوجه والثالثة لستر الجسم، ولم يكن التشابه فقط في العمارة واللهجة والصناعات، بل أيضاً في العادات والتقاليد فالمرأة لا تختلط بالرجل بالإضافة إلى الموروث اللغوي فقد تشابهت اللهجة وانتشرت الأمثال الشعبية في نابلس مع توأمتها دمشق ومنها: ” لي بياحد أمي بناديه عمي”
” العم مولى والخال مخلى”.
ـ نابلس انطلقت من رحمها العديد من العمليات الفلسطينية مما جعل أبنيتها عرضة للقصف الإسرائيلي ورغم ذلك ما زالت نابلس تحافظ على تاريخها وترفض كل محاولات طمس الهوية من قبل الكيان الصهيوني المغتصب
رغم الحصار………. ما تزال شامخة أبية
رغم نزيفها المستمر…. ما تزال قوية
نسأل الله تحريرك أيتها العذراء الطهور…..وكذلك سائر بلادنا العربية.