بقلم ميساء ابو زكري، قطاع غزة، فلسطين
“بين الطين والإسمنت أكثر من نصف قرن، وبين التطوير والعودة لتراب الوطن كلمح بصر”
قد يظن البعض بإن عند قول كلمة مخيم سوف يرى خيمه، يأخذها المطر بين سيوله، وتخترقها أشعة شمس الصيف الحارقه، يبقى الفلسطيني لاجئ مدى هذه الحياة، و ينحصر تفكيره فقط بحصوله على مقومات الحياة، يٌنسى كأنه لم يكن، فالمخيم مر بمراحل عديدة منذ هجرة الفلسطينين من بلادهم الأصيلة عام ١٩٤٨، فهو تكون بالبداية من خيمه من ثم طين حتى وصل لحاله اليوم تطوير وبناء ذو طراز رفيع وجميل.
يروي الكاتب عمر أبو شاويش حكايته مع المخيم، والتفاصيل التي كانت ترافقه بين أزقة المخيم، فمنذ ولادته وهو يقطن فيه، فملامح المخيم قديمًا عالقه في ذاكرته، حيث أسقف المنازل التي يتسرب منها قطرات المطر، والألعاب التي كانت تصنع من العدم مثل ” صفط، الشريدة، الحجله، كرة القدم” وغيرها الكثير.
يسرد أبو شاويش كيف كان الناس يواجهون مرار اللجوء بقوله “كنا أجيال خرجت من رحم المخيم، لكنها تصنع من معاناة المخيم الحياة، وتقفز على محاولات الاحتلال من إيجاد أجيال بائسة غير قادرة على حمل هموم القضية الفلسطينية أو الدفاع عنها، وكنّا على المستوى المعيشي في ذاك الوقت نقبل بأي شيء من لقمة عيش أو أي شيء آخر، لأن الحياة كانت بسيطة “
النشاط في المخيم كان سببًا أساسيًا، في أن يصبح عمر كاتبًا، فهو شاهد ثابت على التغيرات التي حدثت، حيث كان يجالس الصغير والكبير ويسمع طموح هذا وذاك، تلقى دعم كبير جدًا من عائلته من أجل أن يكتب للتاريخ ما أصاب المخيم، وما أفرح أهله، في الأزمات والانفراجات كان يشارك بالعديد من النشاطات.
يقول الأستاذ ماهر نسمان رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في مخيم النصيرات” المخيم لم يكن كما اليوم، فهو كان عبارة عن أحراش وبيوت من الطين، تطويره كلف الكثير من الجهد والتفكير عبر مرور الزمن ، لم يتوقف الفلسطيني عندما طرد من بيته مكتوف الأيدي، بل حفر بالصخر كي يكن كما عليه الآن”.
وجود وكالة الغوث منذ١٩٤٩ في المخيمات ساعد كثيرًا في تكوين جسم المخيم، من حيث بناء مراكز صحية وتعليمه، ساعدت في تطوير الفكر، وخلق فرص جديدة للعمل غير مهنة الزراعة التي كان يمارسها الكثير من أهل المخيم.
يؤكد في حديثه نسمان بإن التعليم كان توجه الكثير من أهل المخيم، والإهتمام في التعليم، كان داعم قوي في تحديث كل ما كان عليه المخيم، فأصبحت بيوت الطين تلاشي شيئاً فشيئاً، وتم استبدالها بالاسبست ومن ثم أصبح الإسمنت يكسو المخيم، فالشوارع والبيوت أصبحت أكثر ملائمه لحياة الإنسان.
أكمل ماهر حديثه بقوله بإن بعض الشباب سافروا خارج حدود من أجل أن يكتسبوا خبرات وثقافات جديدة، وتم نقلها من بعضهم لأهلهم كي يتم فتح طرق جديدة وفتح مشاريع صغيرة بعيدة عن الجمعيات والمؤسسات الدولية، والاعتماد على ذاتهم لتطوير أنفسهم وأهلهم ومخيمهم.
أنهى حديثه ماهر نسمان بقوله:” كلما تطور المخيم، كلما زادت فكرة العودة للبلاد الأصيلة، وتراب الوطن لم ينساه أولادنا ولا نسائنا ولا شبابنا نحن لا نفعل شئ، إنما أصبحت فكرة العودة هي شيء يتربى عليه الطفل دون جهد منا”.
ليشهد التاريخ بإن الشعب الفلسطيني هو من يصنع نفسه بنفسه، فشبابه وصغاره وشيوخه ونسائه هم ركائز لبعضهم البعض.