بقلم رئيس التحرير، كايد عمر غياظة، لندن – بريطانيا
لكي نسير الى الامام و نستمر في جهود بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، علينا أن نقرأ الماضي و ان نفهم الحاضر، فنضع خطط شاملة توصلنا الى النتائج التي نتمناها.
اريد ان اناقش هنا جانبا هاما و مفصليا في تاريخ و حاضر القضية الفلسطينية و كيف يمكننا أن نواصل النضال من أجل تحرير الأرض و الإنسان الفلسطيني؛ كل ذلك في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها باستمرار و في هذا الوقت بالذات.
بما انه الموضوع واسع جدا، سأحاول مناقشة الدور البريطاني و انتدابه في ضياع فلسطين بشكل خاص، و كيفية استثمار الطاقات المؤيدة لنا في المجتمع البريطاني و تحويل المعطيات لصالح قضيتنا العادلة.
اريد ان اتحدث ايضا عن تحولات العلاقة البريطانية الفلسطينية و كيف نذهب الى مستقبل أفضل لنا من خلال الاستفادة من المتغيرات السياسية و الاقتصادية و الديموغرافية في بريطانيا. و خاصة ازدياد إعداد المسلمين و العرب و أبناء فلسطين هناك بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.
نعم، اذا نظرنا الى كتب التاريخ و فصوله، نجد الكثير عن علاقة بريطانيا بما حدث لنا و لوطننا فلسطين. بريطانيا، هذه الإمبراطورية صاحبة التاريخ الدموي، العنصري، و الاستعماري. و التي أسست نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وذبحت المواطنين الاصليين في نيوزلندا و استراليا. و ساهمت ايضا في القضاء على غالبية الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأمريكية و كندا. هي صاحبة التاريخ الاستعماري في أماكن كثيرة في العالم. الإمبراطورية التي لم تغيب عن جغرافيتها الشمس اين ما ذهبت.
بريطانيا، الدولة العظمى التي أعطت حكومتها وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. بدأت علاقتها معنا بالسلوك القبيح، فأعطت ما لم تملكه الى شعب لا حق له في أرض فلسطين بالرغم من علاقتهم التاريخية و الدينية بأرض فلسطين.
بريطانيا، هي أيضا المسؤولة عن تقسيم فلسطين بعد أن سيطرت على فلسطين بقوة الاحتلال باسم الانتداب و هزيمة الدولة العثمانية بالعشرينات من القرن الماضي. وهي من سمحت بالهجرة اليهودية الى فلسطين. و هي من تركت المكاتب الحكومية و السلاح و العتاد للجماعات و العصابات اليهودية المسلحة و التي كانت تسمى بالارهابية و سهلت عليهم إقامة دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية.
الحديث يطول، و لكن بريطانيا لديها المسؤولية الأخلاقية عن ضياع فلسطين. و هي لم تعتذر للشعب الفلسطيني عن النكبة التي حلت به. و لغاية اليوم تبقى فلسطين محتلة بعد أن قسمتها بريطانيا و بعد أن ساعدت على إقامة دولة إسرائيل و لغاية اليوم لم تفعل ما يكفي لقيام دولة فلسطين المستقلة و الحرة.
اللوبي الصهيوني مازال ينشط في بريطانيا، و لديه من القوة على الإقناع الى درجة خروج قيادات أحزاب بريطانية بالاعلان بأنهم صهاينة ومؤيدين للصهيونية. و لقد حارب هذا اللوبي أكبر المناصرين للقضية الفلسطينية و اهمهم، زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن و الذي قاد حزب العمال الى صياغة سياسة هامة جدا و التي تؤكد دعم القضية الفلسطينية و تؤكد عزم حزب العمال البريطاني فور وصوله الى سدة الحكم و تشكيل حكومة بريطانية الاعتراف بدولة فلسطين و رفع مكانة مفوضيتها الى درجة سفارة ودعم حل الدولتين و المساهمة في إحلال السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط.
و لكن المؤسف حالت الظروف دون نجاح حزب العمال البريطاني في الانتخابات البرلمانية الأخيرة و لم يتمكن من تشكيل حكومة بسبب رغبة الشعب في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. و لذلك تبعات و تأثير سلبي على القضية الفلسطينية.
خروج بريطانيا من الاتحاد لا يؤدي فقط الى إضعاف الاتحاد الأوروبي و بداية لتفكيكه، بل أيضا يجعل بريطانيا أضعف و اقل تأثيرا على العالم لأنها ستحتاج الى ابرام عقود تجارية لوحدها مع كافة دول العالم و خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية و مع إسرائيل. فهي لن تستطيع أن تزعج إسرائيل او ان تضغط عليها ضمن قانون المصالح المشتركة و ذلك سيؤدي الى تراجع جديد في المساعي الحثيثة التي تهدف الى اعادة الحياة الى عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط.
نعم، الوضع يزداد صعوبة كل يوم. ونحن لا نحتاج الى من يذكرنا بأن القضية الفلسطينية تمر في أصعب أوقاتها وذلك بسبب تراجع الدعم العربي و الدولي لها. و بسبب تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في رعاية عملية السلام في الشرق الأوسط و أنحيازها الكامل لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وهل نحتاج الى من يذكرنا بصفقة القرن؟ و المؤامرة التي تم الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. هذه الصفقة جاءت لتصفية القضية الفلسطينية في ظل رفض دولي حتى ولو كان ضعيفا.
مازال الخطر كبير بالرغم من انشغال العالم بأزمة انتشار وباء فيروس كورونا و إصابة الملايين من الناس و وفاة أكثر من مئات الالاف من البشر بسببه. و ذلك له الأثر على فلسطين ايضا، بالرغم من نجاح الحكومة الفلسطينية في الحد من انتشاره و تقليص أثره على حياة الناس و صحة المواطن في مرحلته الأولى. و لكن هذا الوباء و الذي سيذهب لا محالة؛ سيترك لنا أزمة اقتصادية جديدة و التي كانت و مازالت متواجدة و مستمرة في حياتنا كأحد التحديات الكبيرة بسبب تصرفات الاحتلال الاسرائيلي و التي هي دائما تسعى الى عرقلة عجلة الاقتصاد الفلسطيني.
اذا ما هي الحلول؟ ماذا يجب ان نفعل على صعيد الساحة البريطانية؟
التجربة لغاية الان كانت كما يلي: لقد خاضت الجاليات الفلسطينية و العربية و الإسلامية و المؤسسات البريطانية الصديقة عدة جولات من النضال من أجل تحقيق العدالة لفلسطين. من المؤسف أن نقول بأن الجهود لم تؤتي ثمارها كما كنا نتمنى. و لم يتزحزح الموقف البريطاني كثيرا.
اذا ماذا نفعل الان؟ انا اقول و بعد أن وصلت إلى قناعة تامة بعدم جدوى الاستمرار بالتظاهر و الاحتجاجات لوحدهما، ولكن لابد أن نجد استراتيجية جديدة مجدية و مفيدة و تأتي بنتائج إيجابية تصب في مصلحة فلسطين؛ الا و هي تشجيع العرب و خاصة أبناء الجالية الفلسطينية البريطانيين الجنسية و المسلمين ايضا و كل المناصرين للقضية الفلسطينية بالانخراط بالسياسة هنا و الانخراط بكافة نواحي الحياة في المجتمع البريطاني و سوق العمل والوظائف و خاصة الحكومية منها لكي يكون لنا التأثير والفعالية في كافة قطاعات المجتمع البريطاني.
علينا أن نسعى الى الاندماج الاجتماعي و السياسي والانضمام إلى الأحزاب السياسية البريطانية. فتشير التقديرات الى وجود أكثر من ٢٥ ألف مواطن بريطاني من أصول فلسطينية و الى وجود ٦٠٠ الف بريطاني من أصول عربية و الى وجود عدة ملايين من المسلمين في بريطانيا. نستطيع اذا أن نجهز أبناءنا الى القيام بادوار قيادية في المجتمع البريطاني.
لماذا لا ندعم من هم ذو كفاءة من أبناء الجالية لكي يترشحوا في انتخابات البلديات و الانتخابات الداخلية في الأحزاب البريطانية و حتى انتخابات البرلمان. لماذا لا يكون هناك بريطانيون من أصول فلسطينية في أركان الشرطة و الجيش و الأمن و ان يكون سفراء لبريطانيا من أصول عربية و فلسطينية و لماذا لا نكون من بين الوزراء في الحكومة البريطانية.
و لدينا أمثلة كثيرة من أبناء الجالية المسلمة من الأصول الباكستانية و الهندية و التركية و أمثلة أخرى جديدة و تبعث الامل مثل انتخاب الفلسطينية الاصل النائبة ليلى موران كعضو في البرلمان البريطاني عن حزب الليبراليين الأحرار. و ايضا انتخابي، كايد عمر غياظة، سكرتير فرع في حزب العمال البريطاني و انتخاب الدكتور فضل التكروري عضو في اللجنة المركزية لحزب العمال البريطاني وهو ايضا من أصول فلسطينية و عدة أمثلة أخرى مشرقة.
و الهدف من ذلك يكون للوصول الى مراكز صنع القرار للتأثير على سياسات الحكومة البريطانية من الداخل و لتغيير بوصلتها و اتجاهها.
نريد أن نخلق لوبي فلسطيني قوي في بريطانيا لكي يدعم حكومته البريطانية و يأثر عليها لتضغط على دول العالم و خاصة دولة الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية.
نريد أن تتغير سياستنا القديمة. لم ننجح لغاية الان و لابد ان نجرب استراتيجية جديدة. الهدف هو ان تدعم بريطانيا تحقيق الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة و عاصمتها القدس الشرقية.
تعالوا و لنعمل بجهد لكي نكافح مشروع ضم أراضي الأغوار الفلسطينية الى اسرائيل و منع ضم أراضي المستوطنات الغير شرعية، و التي تهدد إمكانية تحقيق السلام؛ و تهدد إمكانية تحقيق حل الدولتين على أرض الواقع.