بقلم الدكتور يوسف سالم نجاجرة، بيت لحم؛ فلسطين
هل أجتاحتنا كورونا؟ أم أن ما رأيناه هو “طراطيش الموجة الأولى”؟
هل نحن على أبواب الموجة الثانية؟
ما من شك أن فايروس كورونا المستجد-2 والذي يتسبب في مرض COVID-19 قد ضرب هذا العالم كجائحة لها مخاطرها وعواقبها. وتشير اخر الإحصائيات أن عدد الحالات التي تأكد إصابتها في العالم فقت ال 8.1 مليون, في حين تعدت الوفيات ال-440 الف وتكاد لا تخلو دولة من هذا الفايروس. من أهم الصفات المكتسبة لهذا الفايروس هو قدرته العالية على العدوى والإنتقال من إنسان-الى-إنسان. في بداية اذار 2020 تم تشخيص أول حالات الإصابة بهذا الفايروس في بيت جالا (بيت لحم) والتي عرفت في حينه أنها بؤرة للوباء. تلى ذلك تشخيض بؤر أخرى في مواقع جغرافية مبعثرة في فلسطين المحتلة. لكن سلوك الفايروس وعدواه في فلسطين كان مختلفا نوعا ما إذا ما قورن ببعض الدول التي صال وجال فيها. بإمكان المتتبع للحالة الوبائية في فلسطين أن يلحظ عشوائية في “البؤر” او بقع العدوى إن جاز التعبير. وفي ظل الحديث عن الموجة الثانية للعدوى يسأل السائل هل أصلا كان لدينا موجة أولى؟ وهل وصلت العدوى من هذا الفايروس في فلسطين مرحلة “العدوى المجتمعية” او ما يطلق عليه أهل الإختصاص “community infection or community spread”؟
تعداد السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 فاق الخمسة ملايين نسمة. وحسب إحصائيات وزارة الصحة فإن عدد المصابين الإجمالي حتى مساء يوم الاثنين بلغ 15/6/2020:
عدد الإصابات الإجمالي: 689 إصابة
عدد حالات التعافي: 570 حالة
عدد حالات الوفاة: 5 حالات
الحالات النشطة (التي لا تزال مصابة): 114 حالة
أي أن نسبة الإصابات الى عدد السكان حتى تاريخه هي 689/5000000, اي بنسبة مؤوية = 0.0135%
ومن باب المقارنة تظهر الإحصائيات أن نسبة الإصابة في الولايات المتحدة الأمريكية هي 2.16 مليون في حين عدد السكان حوالي 331 مليون اي 0.6515%. اما في المملكة المتحدة (بريطانيا) فقد بلغ عدد الإصابات 297000 حالة. واذا ما قورنت بالتعداد العام للسكان والبالغ 67,886,011 نسمة تكون نسبة الإصابة 0.4391% . ألمانيا سجلت 188054 إصابة (المجموع العام للسكان 82.98مليون) وعليه تكون نسبة الإصابة =0.2266% . إيطاليا, دولة أوروبية شكلت بؤرة متقدة للوباء وفاجئت العالم بهشاشة النظام الصحي حيث بلغت نسبة الإصابة فيها 0.3925%. السعودية كدولة شرق أوسطية قريبة منا فإن النسبة حوالي 0.3799%. بلغت نسبة الإصابات المؤكدة في إسرائيل حوالي 0.2209% أما الأردن فالنسبة فيه حوالي 0.0096% وفي مصر فإن نسبة الإصابة حوالي .0456%.
اي ان نسبة الحالات المؤكدة في فلسطين بعد مئة يوم (أي حتى يوم الإثنين 15-06-2020) اقل من الولايات المتحدة بحوالي ٤٨ ضعف واقل من بريطانيا بحوالي 32 ضعف وأقل من السعودية ب-28 ضعف ومن إسرائيل ب-16 ضعف. نسبة متدنية وكانت مدعاة للتفاخر. حتى كان من أوشك على إعلان موعد إحتفال الفلسطينيين بنصرهم على كورونا!
بتعبير اخر, وصلتنا “طراطيش الموجة الأولى”. أما والحديث يدور عن موجة ثانية, وبعد فشل التباشير الترامبية بأن الفايروس سيختفي مع حلول الربيع-الصيف, وفي ظل غياب علاج بعد ثبوت عدم فاعلية الدواء الترامبي أيضا هيدروكسي كلوروكوين (تم سحب الإذن بإستخدامه من قبل مؤسسة الغذاء والدواء الأمريكية) وعدم الطعم, فإن الأمر يستدعي من واضعي السياسات ومتخذي القرارات الصحية وقفة مسؤولة بما يوازن بين الحرص على صحة الجمهور والمقتضيات الإقتصادية والأثمان الإجتماعية والنفسية.
في الأسابيع الثلاث الماضية كانت هناك عودة سريعة الى أساليب الحياة ما قبل كورونا. حتى بدى الإستهتار والإستخفاف بالفايروس جليا في كل منحى وجانب. واليوم, ونحن على أبواب “الموجة الثانية”, وإذا ما استمر تلاشي الدور الذي تلعبه العوامل الخارجية, فإن عوامل الإختلاط والتفاعل المباشر بين الناس ( أكان في المطاعم, المقاهي, صالات الأفراح والتي يزداد روادها في هذا الموسم من السنة, دور العبادة,.. الخ), الوقاية والتباعد الفيزيائي, والنظافة الشخصية يجب أن تؤخذ على محمل الجد. وبغير هذا فعلى المجتمع الفلسطيني أن لا يتفاجأ. وخصوصا إذا ما إعتبرنا ضعف منظومة الخدمات الصحية في البلد.