بقلم د خولة الحسن – عمان، الاردن
لقد أبقت أزمة انتشار وتفشي فيروس كورونا المستجد COVID 19 الأبواب مشرعة على مصراعيها أمام تحدي كبير لدول العالم أجمع بشكل عام وأمام الباحثين والمهتمين وخبراء مكافحة الإرهاب وصناع القرار على وجه الخصوص للوقوف برهة للتفكير وإعادة تقييم استراتيجيات مكافحة الإرهاب وعلى رأسها الإرهاب البيولوجي سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الإجرائية والعملياتية.
لقد تم تعريف الإرهاب البيولوجي على أنه “اطلاق عوامل بيولوجية أومواد سميَة عن عمد بغرض الحاق الأذية بالكائنات البشرية أو الحيوانية أو النباتية أو قتلها لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية عبر ترهيب الحكومات أو السكان المدنيين أو اخضاعهم بالقوة” وذلك حسب المنظمة الدولية للشرطة الجنائية الدولية (الانتربول)، والتي تنم تقاريرها الحالية عن مخاوف وقلق من تزايد خطر الإرهاب البيولوجي بسبب قدرة وتصميم الإرهابيين والجماعات الإرهابية والمجرمين على إستخدام العوامل البيولوجية لإلحاق الضرر بالمجتمعات. وأن الوصول إلى المعارف والبيانات بات متاحا أيضا بشكل متزايد عبر الإنترنت، واستخدام المجرمون أقنية اتصال سرية للشراء والبيع وتبادل البيانات والتواصل بعضهم مع البعض الآخر، هذا بالإضافة إلى أن الأضرار الناجمة عن مثل هذه الحوادث قد تأخذ أبعادا هائلة وتسبب أمراضا وتوقع عدد هائل من الوفيات وتثير الخوف والذعر على نطاق عالمي.
بالرغم من أن استخدام الاسلحة البيولوجية أو كما يطلق عليها الأسلحة الجرثومية في الحروب ليس بالأمر الحديث، إلا أنه لا يزال السلاح الأرخص من حيث التكلفة المالية لإنتاجه أو تصنيعه والأشد فتكا من حيث ايقاع الخسائر البشرية والإقتصادية والإجتماعية. وقد جاءت اتفاقية حظر استحداث وانتاج الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة عام 1972 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1975كخطوة نحو العمل على اتخاذ التدابير الفعالة اللازمة لازالة أسلحة التدمير الشامل الخطيرة من أمثال تلك التي تنطوي على استعمال العوامل الكيميائية او البكتريولوجية من الأعتدة العسكرية لجميع الدول، وبعد مرور 48 عاما عليها انضم اليها 165 دولة في العالم مع العلم بأن عدم وجود نظام رسمي للتحقق من الالتزام بها قد حد من فاعليتها. بعيدا عن التحليلات المبنية على نظريات المؤامرة وتبادل الاتهامات ما بين الصين وأمريكا في نشر فيروس كورونا المستجد 19، واخبار التحقيقات والاعتقالات، والدراسات والابحاث العلمية لفهم كيفية انتشار الفيروس ومعرفة كافة التفصيلات المتعلقة فيما إذا تم تطويره وتحويره في مختبرات ووصفه بالسلاح البيولوجي، أو تلك المتعلقة بمكافحته والقضاء عليه، تبقى أسس وإرشادات وإجراءات التعامل مع هذه الجائحة في كافة بلدان العالم هي نفسها عند وقوع حرب بيولوجية أو عمل إرهابي بيولوجي، فالعزل والحجر والتباعد الاجتماعي واستخدام الكمامات والملابس الواقية من قبل الطواقم الطبية او الطواقم العاملة في الميدان، وإجراء الفحوصات الطبية والمخبرية، وأخذ اللقاحات حال توفرها او إيجادها، بالإضافة إلى اتباع الإرشادات الصادرة عن الجهة المعنية بإدارة الأزمة والامتثال لها وتطبيقها بدقة، هذا بالإضافة إلى أهمية جمع المعلومات والبيانات لحصر الحالات المشتبه بإصابتها وتتبعها والتعامل الفوري معها ناهيك عن أهمية العمل الاستخباري في هذا السياق.
لا شك أن المخاوف الأمنية لا زالت قائمة في ظل وجود العديد من الجماعات الارهابية أو الجهات الفاعلة التي قد تستغل هذا الظرف الاستثنائي لنشر الفيروس عن طريق مصابين أو تحريض أعضاءها لنشر الفيروس أو تجنيد المصابين لتحقيق أهداف سياسية أو جمع الأموال لضمان تنفيذ عمليات إرهابية في المستقبل، خاصة أن بعض التقارير قد تحدثت عن هروب عدد من معتقلي داعش من السجون السورية أو إطلاق سراحهم في الشهر الماضي, فلطالما سعت داعش وغيرها من الجماعات الارهابية لامتلاك أسلحة بيولوجية والتي تكلفتها تقترب من الصفر مقارنة بالأسلحة التقليدية.
كما أشارت بعض التقارير إلى استغلال جائحة كورونا المستجد من قبل جماعات “النازيين الجدد” و”تفوق العرق الأبيض” واعتبارها فرصة مناسبة للتعبير عملياً عن مواقفها الاجتماعية العنصرية، حيث دعت هذه الجماعات عناصرها المصابة بالفيروس إلى نقله لرجال الشرطة واليهود في نيويورك. إن الدروس المستفادة في التصدي لجائحة كوروناعلى المستوى التكتيكي والعملياتي أو حتى على المستوى التنسيقي قد تطرح سؤالاً مهماً، ألا وهو هل نحن مستعدون للتصدي لأي هجوم بيولوجي مباغت قد يقع في المستقبل لا قدر الله؟ وهل لدينا الخطط والسيناريوهات للتعامل مع هكذا حدث؟ والتخفيف من تبعاته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية؟ وهل تم إعداد مبادئ توجيهية لكافة الجهات المعنية بالتعامل مع هذا النوع من الحوادث الارهابية؟ وتوفير أماكن آمنة قد نحتاجها لوضع المصابين؟ وهل لدينا الوعي الاجتماعي للعمل كذراع مساند؟ مع العلم أن الأردن قد تعامل مع جائحة كورونا المستجد بطريقة متفوقة قد تم تداولها والإشارة إليها على مستوى العالم أجمع سواء على مستوى السياسات او المستوى الاجرائي المتمثل في انفاذ القانون والاستجابة الطبية. حمى الله مملكتنا الحبيبة وبلاد العالم أجمع من مخاطر الارهاب).