محور الصين ..الزمن الآخر
للكاتب إدريس حنبالي، المغرب
تتوالى الأحداث تباعا وتتفاعل كما عهدها الناس من زمن بعيد؛ لكنها أصبحت هذه الأيام كسَيل عرِم يجرف في طريقه كل شيء ولا يتوقف سوى؛ حين يفرغ حمله على ساحل البحر أو عرض المحيط. صحيح أن أشياء كثيرة تغيرت زمن الكورونا وربما تغيرت أيضا طباع البشر.
ما يجري في الساحة الليبية لا يمكن بأي حال فصله عما يجري في سوريا أو العراق وكل المنطقة؛ قبل أيام كانت قوات المشير حفتر تدق أبواب طرابلس؛ وكل المؤشرات كانت توحي أنه سيكون القائد رقم واحد في ليبيا وربما أصبح بحكم التقليد المعتاد شريكا أساسيا (للعالم الحرّ) في مواجهة الإرهاب ولأجل صنع السلام؛ في هذه الرقعة الحساسة من العالم؛ وهكذا فجأة نجده ينقلب على عقبيه وربما هو الآن يتحسّس رأسه. بالتأكيد ليس الأمر بهذه البساطة؛ فمنذ أن دشن ساركوزي غزوات الناتو في ليبيا بالنيابة زمن الربيع؛ ظلت تُمَارس هناك تلك اللُّعبة القديمة: لابأس؛ دعهم يتقاتلون حدّ الإعياء؛ وبعدها يجلسون للحوار ويكون السلام لهم منّا منّة. دعم الناتو لفرقاء النزاع وانخراطه الكبير في ما يجري هناك ليست مجرد ادعاء؛ تأتي المحادثة الهاتفية المعلنة بين بومبيو والسراج لتشير إلى ساعة الحقيقة؛ مكالمة أخرى معلنة هي الأخرى يتلقاها أردوكان من ترامب لا تدع مجالا للشك أن النزاع الآن يحسم في ليبيا لصالح حكومة السراج.. فحوى المكالمة يبعث برسائل في كل اتجاه؛ غضضنا الطرف عن تدخلك في ليبيا ونقدم لكم رأس حفتر هدية مقابل خطوات أخرى يتم التحضير لها في سوريا. ماذا سيفعل أردوكان الآن؟ هل يمضي إلى الشرق صوب روسيا بوتين القوية في الجوار؛ أم يمضي إلى ترامب في الغرب وهو رئيسه في حلف الناتو؟.. ولكنه كل يوم يثبت أنه أكثر ترددا وربما هو الضعف.
هي سوريا بالتأكيد عقدة أردوكان والجرح الغائر الذي لا يندمل. إعلان البانتاغون عن تقليص قواته في الخليج ولو أنه للتسويق الإعلامي وعودة نشاط داعش إلى الحدود العراقية السورية، ومشروع أمريكي يرمي إلى نشر قوات أممية بين سوريا ولبنان، وتصاعد حدة المواجهات في الجمهورية اليمنية، إضافة إلى حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة؛ قد تتطور للأسوء في أي لحظة؛ كلها أحداث تجعل العالم يحبل أكثر فأكثر بالحرب.
تعود بنا الذاكرة إلى مشهد المواجهة البحرية بين البريطانيين والايرانيين في جبل طارق والخليج ونحن نتابع وصول أسطول إيراني؛ يتشكل من خمس ناقلات للبنزين وقطع غيار إلى المياه الإقليمية لفنزويلا؛ هذه الأخيرة كانت قاب قوسين أو أدنى من إعلان استسلامها بعد سنوات من حصار أمريكي لا يرحم. مناورات جوية وبحرية وحالة استنفار قصوى أعلنها مادورو وروحاني لمواجهة أي عرقلة أمريكية للسفن الإيرانية. ليس اعتباطا أن يطلق سراح نتانياهو وإن كان سراحا رمزيا ليتم تكليفه بتشكيل نسخة جديدة من الحكومة الإسرائيلية اليمينية لأجل المضي قدما في مشروع ما يسمى صفقة القرن وآخر فصوله مشروع ضم الضفة الغربية وغور الأردن بعد نجاحه في جلب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل- بحسب أدبياتهم- وما راكمه في ملف التطبيع.
وبالمقابل يتم الكشف عن رسالة قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى قائد كتائب القسام إسماعيل الضيف؛ وهي رسالة تجدد فيها إيران تصميمها على الوقوف بجانب مقاومة الشعب الفلسطيني من جهة؛ ومن جهة أخرى تعلن فيها للعالم أن رهان الولايات المتحدة على ضغوطها القصوى عليها في زمن محنة الكورونا قد باءت بالفشل. ناقلتان نفطيتان أخريان تمخران عباب المحيط في اتجاه الصين؛ ولسان حال هؤلاء الحلفاء يقول ما عدنا نعبأ بأي حصار. ويبدو أن جهوزية عسكرية منسقة ترافق هذا التحدي وهذا الاعتداد. وخبر آخر يطل هناك أقصى شمال شرق الكرة الأرضية يزيد في منسوب الإثارة؛ فبعد تغني ترامب بتحييد خطر كوريا الشمالية إلى الأبد؛ يعلن رئيسها الآن فقط عن اعتزامه تعزيز قدرات بلده النووية.
ويبقى مشهد السفن الإيرانية وهي تدخل البحر الكريبي مشهدا يحبس الأنفاس. ماذا ستفعل إدارة ترامب الجريح..؟ ماذا سيصنع صانعو القرار في واشنطن غير الرئيس..؟ ماذا تفعل أقوى دولة في العالم..؟ كل الأنظار تتجه إلى ترامب؛ لكنها الآن حتماستكون مختلفة..هل سيكون هناك تصحيح للمسار..؟ العالم ينتظر كما ينتظر الأمريكان. يعود بنا المشهد إلى زمن كرستوف كولومبوس؛ إلى زمن نونيز ديبالبوا حين دلّه أحد السكان الأصليين إلى جبل جعله أول قادم من العالم القديم ينال شرف الإطلالة على محيط العالم الجديد.
ادريس حنبالي
26-5-2020
المغرب