الباحثة: جومانة محمود الصالح
منذ احتلال فلسطين عام 1948م والكيان الصهيوني يسعى إلى احتلال الأرض وطرد شعبها العربي، وتدمير تاريخها وتراثها، فعلى امتداد جغرافية فلسطين من شمالها إلى جنوبها تم تدمير وإغلاق العديد من المتاحف وسرقة مقتنياتها؛ بغية محو هويتها وطمس معالمها الحضارية والثقافية.
لم يقتصر الأمر على الأراضي التي تقع تحت الاحتلال الصهيوني كالضفة الغربية في فلسطين، بل امتد ليشمل قطاع غزة، فخلال العدوان الصهيوني على غزة في عام 2014م قصفت قوات الاحتلال الصهيوني متحف الزنة في بلدية سهيلا في محافظة خان يونس ودمرت المتحف بشكلٍ كامل، وعند اجتياحها البري للقطاع قامت بسرقة مايقارب خمسمئة قطعة أثرية تعود لفترات تاريخية قديمة.
بعد التواصل مع صاحب المتحف الحاج جمال عليان صرح أنه: “من نعومة أظافره يقوم بإقتناء القطع التاريخية والتراثية بعدما شاهد الصهاينة يقومون بتدمير تاريخ وطنه ومعالمه الحضارية، تابع عمله في جمع المقتنيات الأثرية لمدة 35 عاماً حتى أصبح لديه متحف متكامل يحتوي على كل مايمت بصلةٍ لتاريخ فلسطين وحضارتها العريقة، حيث تحمل جدران المتحف أثواباً فلسطينية مطرزة في غاية الإتقان والجمال، وتحتوي جنباته على أسلحة بيضاء كالسيوف والخناجر، وأدوات حربية لغزاةٍ كانوا قد غزوا فلسطين منذ عصور سابقة، إلى جانب الأدوات الفخارية والنحاسية والأواني التي تعود للعصور الرومانية والبيزنطية والفاطمية والمملوكية والعثمانية، ويقدر عدد القطع مايقارب 4000 قطعة أثرية، حتى جاءت سنة 2014 ودمر الكيان الصهيوني متحف الزنة، فوضعت ماتبقى من القطع الأثرية في صناديق وخبأتها، ثم لجأت وأسرتي إلى مدارس وكالة الغوث في خان يونس ريثما يتوقف القصف، وحالياً لا أملك مكاناً لعرض محتويات المتحف بسبب تدمير منزلي أيضاً”.
الحاج عليان في عقده الخمسين يعاني مثله مثل بقية سكان قطاع غزة من جرائم الاحتلال الصهيوني وحصاره الجائر لكنه مازال متشبث بأرضه يدافع عنها، فالحفاظ على التراث هو شكل من أشكال المقاومة التي اعتاد عليها الشعب العربي الفلسطيني منذ أن بصرت عينيه النور.
سُميّ المتحف بهذا الاسم نسبةً إلى الحيّ الذي يقع فيه، فقد آثر الحاج عليان على تسميته باسم المنطقة وليس باسمه ليكون متحفاً لكل فلسطين وليحدث الأجيال عن عروبة فلسطين وأحقية شعبها فيها، ففي هذا المتحف مقتنيات أثرية قديمة تحمل أدلة تاريخية تدحض مزاعم الكيان الصهيوني في حقه بأرض فلسطين العربية.
يمارس الحاج عليان بعد تدمير متحفه صناعة قطع تراثية لتستخدم في المناسبات والأفراح؛ حيث يشكل خيوط صوفية ملونة على قطع من الحديد مختاراً رموز من التراث الفلسطيني لتبدو قطعاً فنية في غاية الروعة والجمال.
يتابع قوله: ” ما زلت أعيش صدمة ما حل ببيتي ومتحفي من تدمير لكننا رغم الذل متمسكين بأرضنا وتاريخنا ونأبى الخروج من وطننا مهما بطش فينا المحتل لن نتخلى عنها، فأنا في كل يوم أحلم بإعادة افتتاح متحف الزنة من جديد ليكون مزاراً لكل من يريد التعرف على تاريخ فلسطين ودليلاً واضحاً أمام إدعاءات الصهيونية في أحقية أرض فلسطين”
طالب الحاج عليان الجهات الدولية لمساعدته في ترميم المتحف وإعادة افتتاحه لكنه كان يحصل على وعود فقط.
عُثر في حي الزنة على شارع يمتد من غزة إلى مصر يسمى (درب الأربعين) ويطلق عليه في غزة (شارع الربايع) وهو الطريق الذي سار فيه قائد الحملة الفرنسية آنذاك نابليون بونابرت عندما جاء من مصر بهدف احتلال بلاد الشام، فعبر غزة ومنها إلى ساحل فلسطين حيث هُزمت قواته أمام أسوار عكا.
وكما هُزمت قوات نابليون ستهزم قوات الاحتلال الصهيوني على عتبات فلسطين العربية بإرادة شعبها وثبات قلوبهم على الحق والنصر.