بقلم الدكتور يوسف سالم نجاجرة، نحالين بيت لحم- فلسطين
هل كورونا كذبة؟
هل نحن في حالة إنكار للفايروس؟ أم إنها حالة “جكر” ذاتي؟
هل هناك أسباب خاصة بالحالة الوبائية بين الفلسطينيين خلال المئة يوم الأولى؟
من الملفت أن معظم الإجراءات التي إتخذتها الحكومة الفلسطينية, وإن تفاوتت في الحدة والتوقيت, مشابهة لتلك التي إتختذها الحكومات في دول أخرى التي إجتاحها الفايروس. ومع أن القدرات الأولية للخدمات الطبية الفلسطينية والإستعدادات لمثل هذه الجائحة لم تكن بمستوى التحدي. كما ظهر في مستوى الجهوزية لإستقبال الحالات المصابة في الأسابيع الأولى, وشبه غياب لمقدرات الفحوصات والتشخيص. أما أجهزة التنفس فبان من تحتها فقر منظومة الصحة الفلسطينية وعوزها الشديد لها. لكن هذه الإجراءات إتبعت في كثير من الدول ولكنها لم تكن بذات النجاعة كما الحالة الفلسطينية.
هل هناك أسباب خاصة بالحالة الوبائية بين الفلسطينيين خلال المئة يوم الأولى؟
إضافة إلى الإلتزام العالي بالحجر والتباعد الإجتماعي الذي أبداه الشعب الفلسطيني فإنه يمكن الإشارة الى العوامل التالية:
أولا: الضفة الغربية (بما فيها القدس العربيه) وقطاع غزة مناطق جغرافية محاصرة بطبيعة الظرف السياسي التي تعيش. وبالرغم من إعتبار فلسطين ممرا ربط أسقاع مختلفة عبر التاريخ الا اننا في هذه البلاد لم نعد كذلك. إذ ليس لدينا مطار دولي يقصده أو يعبر من خلاله عشرات آلاف الناس يوميا مثلا. ولا يأتينا في معظم الأحيان إلا من قصدنا. في غالب الأحيان نحن المرفأ الأخير (terminal station) لقاصدها. كما أنه ليس لدينا مراكز وعناقيد صناعية، تجارية، تعليمية او ادارية دولية أو متعددة الجنسيات تستدعي قدوم أعداد كبيرة من مواقع مختلفة في العالم.
ثانيا: نحن أصلا نعاني انعدام وسائل المواصلات العامة كثيرة العدد كالقطارات او الباصات او محطات القطارات المركزية التي يتقاطع فيها ويحتك عشرات آلاف البشر يوميا.
ثالثا: انعدام أماكن التفاعل البشري المباشر كالملاهي والنوادي الليلية، وقلة مراكز التسوق الواسعة, وإضمحلال مواقع الترفيه التي يقصدها أهل البلد والغرباء (هذا إن وجدت!). كما ضعف نسبة الناس الذين يقضون اوقات فراغهم في المطاعم, المقاهي أو قاعات الثقافة من دور سينما أو المسارح المغلقة.
رابعا: كل هذا إذا ما أضيف الى تركيبة المجتمع الفلسطيني وثقافته في الفرح والحزن, أو الترفيه والتسلية التي تحد من فرص التفاعل والتعامل عن قرب مع حلقات من الغرباء (أستثني من ذلك العالم الإفتراضي وووسائل التواصل الإجتماعي والتي تقول بعد الإحصائيات بإنتشارها الواسع بين الفلسطينيين). كما تلاشت شبكات التعارف الفعلي نتيجة لتراجع قيم الصداقة والزمالة في السنوات الأخير. فمثلا تراجعت حفلات الإستقبال والتجمعات البيتة مما أبقى التفاعل الاجتماعي المباشر بين الفلسطينيين في غالب الأمر من خلال الأطر العائلية الصغيرة او الممتدة.
خامسا: كما وإن الغالبية العظمى من الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل (معظمهم من الفئات العمرية ما دون الخمس والستين) تعمل في قطاع البناء وهو بمقتضيات الحال يتم في الأجواء المفتوحة ولا يستدعي التعامل المباشر عن قرب. وهذا ما بدى واضحا حين النظر في الحالات التي نقلت العدوى من إسرائيل حيث كانت معظم هذه الحالات من أشخاص عملوا في حيزات مغلقة (مسلخ الدجاج مثلا).
وأخيرا, فإن معظم سلاسل العدوى في المئة يوم الأولى تمت محاصرتها بعد التعرف على مركبيها وأفرادها. ولم يتم تشخيص أي حالة ينطبق عليها تعريف ما يسمى “سوبر معدي super spreader”.
كل هذه العوامل ساهمت وبتفاوت في الحد من العدوى وتثبيط إنتشار الفايروس. جلي وواضح أن هذه العوامل قد تندثر وتفقد نجاعتها إذا ما تحولت العدوى من “بؤرية محدودة” الى إنتشار أو عدوى في المجتمع. وإن ثبت ذلك فهذا يلزم الجميع أن يعيد تقييم الحالة والخروج بسياسات وقرارات تأخذ بالحفاظ على التوازن بين صحة الناس ومعيشتهم دون تهاون. إن كان ما ذكر ساعدنا على وقف العدوى على أطراف المجتمع فإن ذلك قد يتغير بحيث يسلك الفايروس فينا مسلكه عند غيرنا. ولا حصانة لأحد!
علينا أن نتذكر أن الفايروس حقيقة موجودة بيننا. وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار المحور الزمنى للإجراءات من جهة, وشمولية الفحوصات العشوائية من الجهة الأخرى فإن الملاحظ أن التجربة “الكورونية” لم تعكس نفسها على تغيير النمط في التفاعل والسلوك الفردي والجمعي بين الفلسطينيين. فسرعان ما عدنا إلى سابق عهدنا وأخذنا بالتنكر للفايروس وكأننا في حالة “جكر” مع الذات!