عام على رحيل العميد
الشيخ عادل ابو عصب الحسيني عميد ال الحسيني
بقلم: نجله د. كمال الحسيني
بسم الله الرحمن الرحيم
وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا
هو كان هنا ثمّ رحل، وبعض الرحيل عاجز أن يقترن بالغياب متى ما اقترن بالأهل الأحباب، فالنبض لا يتوارى، وعبثا نحاول النسيان…أطل من شرفة حاضري، فأرثيك أبا حانيا، صديقا وفيا، وسندا لطالما كنت أتكئ عليه، فمن ذا يسندني بعد رحيلك أب؟
عميد عائلة، وحكيم قوم، وأب مثالي، ورجل إصلاح، واجتماع الحكمة والصلاح، فقد كنت شخصا استثنائيا في حضورك، فكيف لا يكون غيابك استثنائيا، ورحيلك موجعا، وفراقك صعبا؛ لكنننا نحتمل ونصبر، أتدري لماذا ؟ لأنك علمتنا أن الإيمان بالأقدار ركيزة، وأن ركوب الصعب جزء من احتمال كل صعب، فالأجساد تتوارى، لكن لا يتوارى الحب، فخذ منا العهد ألا ننساك، وأن نبرّك في غيابك كما في حضورك، يا أبي فقد كنت عادلا وعصبا لعائلتنا التي جمعت بين الخليل والقدس، فظلت ممتدة كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
حروف اسمك ذات دلالة، فالعين عصامي عازم، والألف إنسان لا يخشى في الحق لومة لائم، والدال داعيا للوفاق كنت متفائلا غير متشائم، وأما اللام لبيّت نداء الصلح وفي مواقف الحزم كنت أنت الحازم، ولذا لك أن تقدّر مدى حزننا على فراق آلم الروح قبل الجسد، فقد كان كل يوم من أيام العام المنقضي كتلة من جمر الفقد، خاصّة وأنت الذي كنت جسرا للوصل والودّ، فأحبك الجميع بلا استثناء أو تردّد، فغياب البعض ليس غيابا بل مناسبة للتذكّر ومنح الذكريات فرصة للتمدّد، فالوفاء مقترن بحرارة الروح.
أبي،،،
كنت علامّة، على جبين الوطن شامة، عشت عفيف النفس مرفوع الهامة، فأنت مثال للنخوة والشهامة، خليليّ الجذور، مقدسيّ الحضور، نبيل أصيل، نبيل أصيل، هي ليست مجاملة لراحل بل حقائق تشهد عليها الحقائق والتفاصيل، ولذا … بكتك العائلة، ونعاك الأصدقاء، وحزن على فراقك كل من تعاملوا معك وعرفوك، فالبصمة التي تركتها لم تكن مدموغة بالحبر والمداد بل بالعطاء الباقي، وبالتعامل الراقي، وفخورون نحن بأننا نواصل استحضارك في كل حين، هو جزء من وفاء قبل أن يكون مجرّد حنين، أقولها بفخر لا يخالطه أنين، فقد زرعت فينا أن نكون متماسكين عازمين، وعلى الجرح قابضين، ولذا ثق بأنّا كما عهدتنا نتألم لكن بشموخ، نعوّض الشعور بالفقد بمزيد من العطاء، فنحن امتداد لحضورك وإنْ غبت، وباق ذكرك فينا ما بقينا، هو عهد نحمله حقّا ويقينا، ونواصل البقاء فخورين بك مهما سكنت الأحزان مآقينا.
اليوم… صعب أن نلخّص موسوعة في دقائق… صعب ألا نبوح بالوفاء لك، صعب أن ننساك، صعب كل هذا وذاك، لكنها أقدارنا، ونؤمن بها، ونواصل المسيرة لنحفظ العهد مع من كان حسن السيرة، لن يتوارى عميدنا…. وسنبقى الأوفى لمن كان الأنقى والأتقى والأرقى… هذا أقل الممكن وأقصةى الطموح، والحد الأدنى لحفظ العهد والوفاء لمن سكن إلى الأبد ثنايا الروح.
ليس ضعفا حين بكيناك… لكنها الدموع الدافقة التي أبت إلا أن تروي البستان الذي جاد، كان الفارس والجواد، كان السند والعماد، قد نختار بمن نقترن في محطات ما، لكن المستحيل أن نختار موعد الفراق أو من سنفارق، ولذا ندرك أن الرحيل مهما كانت له مقدمّات، إلا أنه يظل صادم وفجائي ومؤلم، خاصّة إذا كان المفارق جزءا أصيلا من تكويننا.
عائلتك، أولادك وأحفادك … ومحبّوك .. وكل من عرفوك … هم على عهد الوفاء، فتغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا…. ويبقى عزاؤنا قول الله تعالى( كل نفس ذائقة الموت).