قصة زواج مع إيقاف التنفيذ من المجموعة القصصية: قلبى لرجل وقف خلفه الرجال. للكاتبة هند محمد، القاهرة – جمهورية مصر العربية
روشان فتاة، مطيعة لأبيها، لم تعارضه يوما في قراراته، فكانت تخشى عليه أن يضيع منها في لحظة، كانت تلبي كل أوامره حتى إن كان ذلك على حساب راحتها، وما أن اخضر عودها إلا وبادر كثيرون إلى خطبتها.
اختار الأب من يتفق مع تصوره، دون النظر إن كان ذلك يناسب روح ابنته أم لا، اختار شخصا لم تقبله روحها يوما، لكن حبها لأبيها والرغبة فى إرضائه كانت أقوى من رفضها، فرغم اختناق روحها وقبضة قلبها بأن هناك شيئا خفيا، إلا أنها امتثلت إلى رغبة الأب.
وبالفعل تمت مراسم الزفاف في مشهد رائع لهذا العريس الغني ساكن القصور، لكن هل لليلة العمر اكتمال؟
بدخول روشان منزل زوجها أدركت جيدا أن الأمر أصبح واقعا وعليها التعايش معه، فليس من السهل أن تخرج من بيت أبيها عروسة لتعود إليه مرة أخرى مهما حدث.
صدق إحساسها وقبضة قلبها، فقد وقف زواجها عند حد المأذون، وأصبحت ضيفة في بيتها، وليلة العمر المنتظرة تتأخر لأجل غير مسمى.
نظرت إلى السماء تبكي كيف جنى عليها أبوها برجل لا تحبه، وكيف أخفى هذا الرجل سرا، وأغلق باب الفرح بقلبها.
كانت روشان فتاة مؤمنة، لاتترك فرض الرحمن عكس زوجها تماما، برغم عدم حبها له لكنها أدركت أن عليها أن تقف إلى جواره في أزمته ظنا منها أنها أزمة طارئة.
أخفت عن والدها ووالدتها الحقيقة وكل أهلها، قابلتهم بابتسامة وسعادة واخفت في أحشائها ما تكنه من ألم.
وعندما ينصرف المهنئون كان عليها أن ترسم بسمه على شفتي زوجها الحزين، الذي طالما واساها في عجزه عن إسعادها، لكنها كانت ترد عليه بكلمات هادئة وتطمئنه بأنها زوجته للنهاية ولن تتركه أبدا ولن ينكشف سره لأحد إلى أن يتم شفاؤه.
وبسذاجتها وفطرتها وطيبتها وعدته أنها لن تخبر أباها ووالدتها مهما حدث، كل ما كانت تريده روشان هو الحياة الهادئة بدون ألم لأبيها ووالدتها إذا عرفا الحقيقة وانكسرت فرحتهما، بدون ألم لزوجها الذي أوهمها أنه لم يخدعها.
كان في البداية رقيقا طيبا يفعل المستحيل لإرضائها، اكتفت بهذه الطيبة منه وارتضت بالقدر والنصيب.
لكن سرعان ما تبدل الحال ومنعها من الخروج، ورفض زيارتها إلى أهلها أو زيارة أحد إليهما، وكأنها أصبحت سجينة الجدران، بينما كان هو دائما خارج البيت.
انسكبت الدموع من عينيها وهي تصلي وتدعو في سجودها أن يرفع عنها الرحمن البلاء.
ومن شدة قسوته، اتصلت يوما بأبيها، ارتمت في حضنه هو وأمها، وحكت لهما الحقيقة المؤلمة التي ذبحت قلبيهما، وطالباها بالصبر، لكن الأمر ازداد سوءا، حتى أنه وصل إلى الضرب، الذى دخلت على إثره المستشفى بين الحياة والموت.
قضت روشان مايقرب من شهر في المستشفى، ثم قام الأب باصطحاب ابنته إلى بيته فلم يعد هناك مجال لعودتها إلى بيتها.
ظل الزوج غائبا منذ أن دخلت المستشفى وحتى وجودها في بيت أبيها، قضت روشان أكثر من أربعة أشهر في بيت أبيها والجميع يتساءل عن السر الخفي، بينما الأب والأم والأبنة يلتزمون الصمت القاتل.
ذات يوم ذهب الأب إلى الزوج فى الشركة التى يعمل بها لينهي معه الأزمة بكل ود، فليس من اللائق أن يستمر الأمر بهذا الشكل، فقام الزوج بتوببخ الأب واتهم زوجته أنها المقصرة، وأن العيب فيها، وأنه إنسان طبيعى وهو من يصبر عليها.
كانت كلماته بمثابة طعنات اخترقت قلب الأب، الذى لم يظن يوما أنه أساء اختيار زوج ابنته وأنه سيصبح سببا في شقائها .
تصادم الأب كثيرا مع هذا الخسيس، وأبى أن يهين ابنته في المحاكم، وحاول أن يخرجها من هذه التجربة بأقل الخسائر، فلجأ إلى صديقه المحامي الذكى الذي استطاع أن يثبت لابنته حقها المعنوي في مقابل التنازل عن حقها المادي، فكل ما كان يهم الزوج هو المال، وهي كل ما كان يهمها حقها المعنوي.
كانت كثيرا ما تدعي فى صلاتها أن يخرج الله الحق من فمه هو وأهله، وأن الأرض ستشهد يوم الحشر العظيم من هو صاحب الحق.
وبالفعل قامت بالتنازل عن حقها المادي في مقابل إثبات عذريتها، وقام بإلقاء اليمين مخاطبها بالآنسة.
وتم إثبات اللقب في قسيمتها ، وكان هذا يكفيها واستعوضت ربها في كل خير قدمته لهذا السفيه وكل طعنة قابلها بها.
وكطبيعة البشر رفض أهله التسليم بأن ابنهم الجاني، وانقسم من حولهما إلى متعاطف معها وإلى متشفٍ فيها وكذلك معه، إلى أن أتى يوم وتزوج غيرها، وذات يوم إذا بروشان تفاجأ بزيارة صديقة لها كان زوجها صديقا لابن عمه.
جاءت لتخبرها أن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينصرها للمرة الثانية وكلمة الحق تخرج من أفواههم.
المرة الأولى عندما رمى عليها يمين الطلاق بالآنسة، وكتبت لها في قسيمتها.
وها هي المرة الثانية تخبرها صديقتها، بجملة ابن عمه لزوجها (نحن ظلمنا روشان وعرفنا الحقيقة.)
بكت روشان فرحا لنصر ربها لها، نظرت إلى السماء وناجت ربها أنهم يقولون أنهم قادرون، وأنا أقول أن الله على كل شيء قدير، هذا عهدي بك يا ربي، أنت قلت للمظلوم لأنصرنك ولو بعد حين.