بقلم الدكتورة دانيلا القرعان، عمان – الارن
تداعيات شريان التجارة العالمي وشريان مصر الاقتصادي “قناة السويس” على التجارة العالمية.
” كلما زاد حجم السفينة كلما زادت نسبة المخاطر وصعوبة قيادتها ” رغم ما تمثله واقعة جنوح الحاوية العملاقة ” إيفر غيفن ” بقناة السويس باعتبارها أمر غريب وجديد ويحظى باهتمام ومتابعة من وسائل الاعلام العالمي كافة، لكن المتابعين والمختصين لمجال النقل البحري يدركون أنه يتكرر بشكل كبير في الممرات المائية والانهار ومداخل الموانئ على مستوى العالم، وهذه المخاطر كما هو معروف تزداد نتيجة كبر حجم السفن، فالعلاقة طردية كلما زاد حجم السفينة كلما زادت نسبة المخاطر وصعوبة قيادتها، اذن حادث سفينة ” إيفر غيفن ” ليس مستبعدا او غريبا بالنسبة للمرات الملاحية، فهو قد يحدث في أي مجرى ملاحي او ميناء لكن نسبة هذه الحوادث تكاد لا تذكر بالنسبة لقناة السويس.
تتعاظم أهمية قناة السويس المصرية بقدر تطور وتنامي النقل البحري والتجارة العالمية، اذ يعد النقل البحري من ارخص وسائل النقل، ولذا يتم نقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة الدولية عبر الطرق والقنوات البحرية، وتعد قناة السويس ممر عالمي فريد ومن اهم القنوات الملاحية في العالم التي ترتبط بمجال التجارة العالمية، وفي ضوء الدراسات نلاحظ ان 10% من حجم التجارة الدولية و 22% من تجارة الحاويات تمر بقناة السويس. وما لاحظناه ان العام الماضي شهد مرور قرابة 18830 سفينة بحمولة تتجاوز 1.7 مليار طن وهذا يظهر أهمية القناة بالنسبة للتجارة العالمية. واكد خبراء عالميين ان الحادث الأخير جدد التأكيد على أهمية ومكانة قناة السويس المصرية في التجارة العالمية، رغم محاولات التأثير على هذا الدور خلال السنوات الماضية و ” رب ضارة نافعة ” بالنسبة للقناة.
إن كل من يتهم ويتعامل مع التجارة الدولية سواءً كان افراد او شركات او دول، وكذلك من يتعاملون في قطاعي الاستيراد والتصدير ونقل البضائع، يعلمون تماما أهمية قناة السويس كممر ملاحي عالمي لا غنى عنه وخصوصا فيما يتعلق بالبضائع التي يمثل الوقت عنصرا مهما لها. ومن المعروف أيضا ان معظم مراكز الإنتاج على مستوى العالم موجودة حاليا في منطقة الشرق الأقصى بدول عدة من بينها اليابان والصين وإندونيسيا وماليزيا، اما مراكز التوزيع والاستهلاك فموجودة في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وامريكا، ومن ثم فقناة السويس كممر ملاحي هي همزة الوصل بين مراكز الإنتاج ومراكز الاستهلاك.
من الملاحظ ان القيادة السياسية في مصر عظمت من مكانة قناة السويس، عندما افتتحت قناة السويس الجديدة عام 2015، حيث ساهم ذلك في تقليص فترة العبور نحو 11 ساعة، مما كان له الأثر الإيجابي الكبير على الناقلين كخطوط ملاحية وأصحاب بضائع تمر عبر القناة.
بينما لا تزال سفينة حاويات عملاقة تغلق الممر الملاحي بقناة السويس قد تكون العواقب الاقتصادية لمثل هذا الحادث كبيرة اذا استمر الوضع الا ما هو عليه، عواقب جسيمة ليس فحسب على الدول المستوردة والمصدرة ولكن أيضا على مصر التي تجني دخلا هائلا من استغلال هذا الممر البحري التجاري.
أقول وأن كانت أوروبا تمثل الجزء الأكبر من اقتصاد قناة السويس فإن القارة العجوز المرتبطة بآسيا من خلال هذا الممر البحري لا تعاني حقا من تأثير انسداد القناة على كمية النفط الواصلة اليها، ونلاحظ أيضا ان مسار الطاقة الاستراتيجي ليس مهما بالنسبة لأوروبا من حيث الحجم؛ لأن 80% من نفط الخليج يذهب الى الشرق الأقصى والهند، وقناة السويس لم تعد مهمة بالنسبة لاستيراد النفط كما كانت قبل 30 عاما حيث كانت أوروبا لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط السعودي واليوم في الواقع تحصل الدول الأوروبية على المزيد من نفطها من الجزائر او النرويج او روسيا، لكن من ناحية أخرى فإنها قد تتأثر اكثر بالتأخير في توريد أنواع أخرى من السلع ولا سيما المنتجات المصنعة في الصين، مثل السلع الرأسمالية او الصناعية او الاستهلاكية او أيضا السلع الغذائية، وكل عام يصل الى أوروبا عدد من الحاويات يتراوح بين 14 الى 15 مليون حاوية ممتلئة بالبضائع، يأتي 75% منها الى الصين.
اما فيما يتعلق ببدائل قناة السويس نلاحظ ان العواقب الاقتصادية الناجمة عن تعطل الملاحة في قناة السويس تذكرنا بالاهمية الاستراتيجية لمثل هذا الممر البحري، فاذا لم نتمكن من عبوره، ما هو البديل المتوافر امام التجارة الدولية وهو ما سيكون عنوان مقالي القادم ان شاء الله.