نغم اليازجي -غزة- فلسطين
مساء الخيرِ أصدقائي، أَنا الشاهدُ على صاحبِ هذهِ الروايةِ، شاهدتُ ارتعاشَ يديهِ، وإيماءاتِ وجهِه، واتساعَ حدقاتِ عينيهِ وضيقَها، وتحديقَه في فضاءاتِ الخيالِ، وسباقَ الأفكارِ والكلماتِ الذي ما لبثَ أن أَصابني بدوارٍ لذيذٍ، فَهل علمتُم مَن أنا؟
أنا القلمُ الذي كتبَ بِهِ العمُّ فوزي روايَتَهُ، جئتُ لأَهمسَ لكم بمودَّةٍ ملخَّصَ ما كتبَه، ولا أدري كيفَ يمكنُ للبحرِ أن يُختصَرَ ليصبحَ عينَ ماء!
حسنًا؛ لا وقتَ للكلامِ، فلنبدأ رحلَتَنا الممتعةَ مع فالح، أووه.. لقد نسيتُ.. لي رجاءٌ قبل هذا: جهزوا القهوة، أو الشاي، مع قليلٍ من الحلوى، ثمَّ اقلبوا الصَّفحَة.
نشأَ فالح في بيئةٍ ليسَتْ عاديَّةً، فقَد اختفى والدُه دافعًا ثمنَ شجاعتِه، وكان مما أَثارَ العَجَبَ بروزُ لحيةِ فالح –الذي ابتكرَ لغةً خاصةً به- في سنِّ العاشرة، فاصطحبَتْهُ أمُّهُ إلى شيخٍ تنبّأ بأشياء، منها أنه سيصبحُ رئيسًا.
نشأَ فالح بينَ أهلِ قريةِ المنسية، محفوفًا بحبِّهم، محترقًا بكرهٍ كبيرٍ من المختارِ (أبو ماضي)، الذي أزعجَه وأَهلَه دومًا، حَتى ملَّ منهُ؛ فأَطلقَ عليه كلبَه، قُتِلَ الكلبُ؛ الهديَّةُ الوحيدةُ من أبيهِ؛ فَساءت حالةُ فالح الذي عفا عنهُ المختارُ مقابلَ نفيِهِ إِلى الأُردن، وحين دخلَها زارَ المسجدَ، وساعدَه شيخٌ في إِيجادِ عملٍ، وزوَّدَهُ صديقُه طايع بالأَخبارِ، تغيَّر فالح، فأَصبحَ يختلقُ قصصًا خياليةً هو بطلُها، ويدخِّنُ، ويلعبُ الورقَ، ويهتمُّ بشكلِه وبالجنسِ الآخر، وزادَ وزنُهُ.
لفالح أُختان؛ حليمة وليلى التي حاولَ حسن ابنُ المختارِ اغتصابَها، فردَّتْهُ بذكاء، عانى حسن صدمةً جعلَت المشافي بيتَهُ، ولأَنَّ أَباه لم يقبلْ تزويجَه بليلى لكرهِه لعائلَتِها؛ خرجَ عاريًا وحاولَ الانتحارَ، فقَبِلَ أَبوهُ على مضضٍ، لكنَّ أمَّ فالح اشترطَت رجوعَ فالح من الأُردن كونَه وليَّ أمرِها.
احتضنَ الوطنُ فالح الذي أرهقَ المختارَ قبلَ الموافقَة، أقيمَ العرسُ، وماتَ المختارُ يومَها، وعُرِفَ الأمرُ في اليومِ التّالي.
وقعت مذبحةُ صبرا وشاتيلا التي فجَّرَت ثورةَ فالح وأصدقائِه، فحاولوا سرقةَ بستان أراضينا المحتلة، وفشلوا، سُجِن فالح ثم أُفرِجَ عنهُ.
اصطحَبَتْ أمُّ فالح ابنَها إلى الأَقْصى، وحينَ عادَ تزوَّجَ منى، لَكنّهُ سُجِن بعد الحفلِ بتهمةِ حيازةِ المتفجرات، فاستطاعَ بذكائِهِ إقناعَ الاحتلالِ بإطلاقِ سراحِهِ.
أنجبت منى مريمَ وعليًّا ونمرًا ومحمدًا، واجهَ فالح مواقفَ كثيرةً صنَعَتْ منه رجلًا، منها شهامَتُه حين دافعَ عن امرأةٍ فقيرةٍ في الباصِّ ضدَّ شابٍّ طائشٍ.
أصبحَ فالح عقلانيًّا، وقدْ قرَّرَ ألا يترُك أبناءَهُ كأبيهِ، فحين هاجمَت عائلَةُ (أبو الخير) القريةَ اختبأَ، ثمَّ تظاهرَ بالشَّجاعَةِ بعد مغادرتِهم.
كان للمختارِ ابنٌ اسمُه ماضي، وضعَ لغمًا في منزلِ المدرسِ محمود فاستشهدَ، فأعدمهُ حسن الذي أشادَت المقاومةُ بِصنيعِه.
خاضَ فالح وأصحابُه تجاربَ الصيدِ، وذاتَ يومٍ دفعَ لهم المالَ ليخدعوا أهلَ القريةِ ويَدَّعوا أن فالح قتلَ ضبعًا، وذاتَ يومٍ وقع فالحُ في بئرٍ تحوي جماجمَ شهداء، فَأَنقذهُ أصدقاؤُه، وأعطوه فرسًا أبيضَ سرقوهُ من المُستوطَنةِ، فغيَّر لونَهُ، وباعَه، ومنحَ ثمنَه لابنةِ شهيدٍ، مرضَ فالحُ بعدَها، فقرَّرَت أمُّه ردَّ الخوفِ بالخوفِ، فادّعوا موتَ ابنتِه مريم، ما أدّى إلى وقوعِ حادثِ سيرٍ.
تنوَّعَ عملُ فالح، وعبثًا حاولَ الانضمامَ إلى الشيوخِ، فاجتهدَ لإصلاحِ خلقِه وأفعالِهِ، وأصبحَ كثيرَ الصَّدَقةِ، فعُيِّنَ رئيسًا لمجلسِ أولياءِ الأمورِ؛ تصديقًا لرؤيا الشَّيخِ!
بعد سنواتٍ عادَ أبو فالح، واصطحبَ فالحَ لزيارةِ الأقصى، فثارَ غضبُهُ لرؤيةِ فتاةٍ يطاردُها الاحتِلالُ؛ فأنقذَها وهرَبَ، لكنَّ أباهُ وأصدقاءَهُ استُشهِدوا، حينها بدأَ فالح رحلةَ مقاومةٍ بالسلاحِ لم تتوقَّفْ، فعاشَ مشرَّدًا، وناضَلَ وَحيدًا.
أصدقائي..اقرَأوا حكاياتِ فالح، فهو صورةُ كلِّ فلسطينيٍّ احترقَ بالفَقْدِ، فَصارَ طائرَ فينيق لا يموتُ!